الإخوان المسلمون في الأردن: الدور الإقليمي والأيديولوجيا العابرة للحدود

تهدف الورقة لتحليل دور الأيديولوجيا العابرة للحدود في الممارسات الحزبية والسياسية لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، وانعكاسات ذلك على الدور الإقليمي للجماعة، سواء في علاقاتها مع الفروع الأخرى للجماعة في مصر وسوريا وفلسطين، أو بعض الدول الإقليمية كإيران وتركيا.

الكاتب د. سعود الَشَرفات
  • الناشر – STRATEGIECS
  • تاريخ النشر – ٢٠‏/٠٢‏/٢٠٢٢

ورقة ضمن سلسلة: الإسلام السياسي تحت المجهر 

 

منذ تأسيسها كانت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن تدرك إلزامية وأهمية تقديمها الدعم والخدمات لفروع الجماعة في العالم العربي والنماذج الإسلامية الأخرى، وأصبحت هذه الرسالة لافتة للجماعة في محطات تاريخية انفصلت خلالها مقاربة الأحداث والمجريات الإقليمية عن الموقف الرسمي، وتبنت روايات حددتها الحزبية والأيديولوجية بغية تحقيق أهداف سياسية، كان لها الأثر الكبير في السياسة الخارجية الأردنية وفي علاقاتها مع الدول المختلفة.

في هذه الورقة، سيتم التركيز على إطار سردي ووصفي لتبيان التأثير الخارجي العابر للجغرافيا لدى جماعة الإخوان المسلمين في الأردن الذي يحدد أهدافهم وغاياتهم وأجندتهم، والأسباب التي تدفع للتنبيه من المخاطر المرتبطة بأنشطتها وخاصة في الآونة الأخيرة.

دور وتأثير إخوان الأردن الإقليمي

تصنف علاقات إخوان الأردن مع فروع التنظيم وخاصة في مصر وسوريا ومع حركة حماس، بأنها علاقات عضوية بحكم المرجعية التأسيسية والنظام الأساسي الذي وضعه مؤسس الجماعة في مصر حسن البنا عام 1945، والتي كانت تضم أعضاء من مختلف الدول العربية ضمن هدفها الاستراتيجي بنقل تجربتها وتوسيعها إقليمياً وعالمياً، ولذلك نجد شكلاً من العلاقات التعاونية بين تنظيمات الإخوان الفرعية من جهة وعلاقات تبعية للتنظيم الدولي من جهة أخرى.

وعبر هذه المقدمة، تعود علاقات الإخوان المسلمين في الأردن ومصر، إلى نشأة التنظيم في الأردن عام 1945، نظراً للتداخل في المناصب والعلاقات الشخصية بين الطرفين، حيث شغل مؤسس الجماعة في الأردن "عبد اللطيف أبو قورة" عضوية الهيئة التأسيسية للجماعة الأم في مصر، وكذلك شغل المراقب العام السابق للجماعة محمد عبد الرحمن خليفة، منصب الناطق باسم تنظيم الإخوان الدولي.

ومنذ أربعينات القرن الماضي وحتى التسعينات، ظهر الإخوان المسلمين في الأردن كأحد أهم وأقوى التنظيمات بين الفروع المنتشرة للجماعة، ذلك أن فروع الجماعة في مصر وسوريا ضعفت بعد أن تصادمت مع السلطات في تلك الدول، علاوة على أن التنظيم في الأردن كان يتضمن الأراضي الفلسطينية، وعبر هذه النقاط تمكن من لعب دور فاعل ومؤثر على المستوى الإقليمي.

وقد كان لذلك الأثر في توظيف نشاطات واهتمامات إخوان الأردن لخدمة سياساتهم الخاصة على حساب المصلحة الوطنية، حيث حددت الاعتبارات الحزبية والتنظيمية العابرة للحدود مصالحهم السياسية وتوجهاتهم. والأمثلة على ذلك متعددة وكثيرة.

ولعل أبرزها موقفهم من الرئيس المصري جمال عبد الناصر، بعد أن حظر الجماعة في مصر من ممارسة أنشطتها وملاحقة أعضائها، إثر اتهامهم بمحاولة اغتيال عبد الناصر عام 1954.

حينذاك، شارك إخوان الأردن في المؤتمر التضامني المخصص لدعم الجماعة في مصر، والذي عُقد في مارس عام 1954 في العاصمة السورية دمشق، والذي جسد الكيفية التي تذوب خلالها المصالح الوطنية، بالتوجهات الخاصة للإخوان، وكيف تؤثر العلاقات بين فروع الإخوان المسلمين على الشؤون الداخلية والعلاقات بين الدول العربية. في ذلك المؤتمر وجه المراقب العام لجماعة الإخوان في الأردن محمد خليفة، انتقادات حادة لسياسة السلطات المصرية، وكذلك العلاقات العربية مع الدول الغربية، فيما تدخل المراقب العام لجماعة الإخوان في سوريا مصطفى السباعي، في الشأن الداخلي الأردني عندما عارض المعاهدة الأردنية البريطانية، وانتقد رفض الجيش الأردني تسليح اللاجئين الفلسطينيين للقتال على الحدود مع إسرائيل.

وبعد قرابة العقدين، اتخذ إخوان الأردن من الأزمة بين الجماعة والسلطات السورية عام 1975، موقفاً شبيهاً إلى حد كبير من السابق ذكره، فقد أعلن مجلس شورى الإخوان المسلمين في الأردن، بقيادة محمد عبد الرحمن خليفة آنذاك، أن "الجهاد فريضة عين"، كوسيلة لمهاجمة السلطات السورية، خاصة وأن الجماعة في سوريا أسست حركة مسلحة سرية عُرفت باسم "الطليعة المقاتلة" لشن هجمات ضد أهداف في الأراضي السورية.

in-1الإخوان-المسلمين-في-الأردن‎‎.jpg

يُذكر أن السلطات السورية كانت تنظر إلى الإخوان المسلمين كتنظيم إرهابي، في وقت كانت تمتلك الجماعة قرابة الـ 200 مكتب في الداخل السوري وعلى مقربة من الحدود الأردنية، وقد اعتبرت دمشق الدعم الذي يقدمه إخوان الأردن لنظرائهم في سوريا بمثابة تهديد لسلامة أراضيها، الأمر الذي وتر العلاقة بمستوياتها الرسمي بين الدولتين.

وعلى المنوال ذاته، انعكست العلاقة ما بين الإخوان المسلمين في الأردن وحركة حماس بشكل سلبي على العلاقات الخارجية للأردن، وواجهت على أثرها البلاد أزمات سياسية مع الولايات المتحدة ودول أخرى، نتيجة سياسات الإخوان في الدعاية والتجييش لصالح حركة حماس، والدعوة المستمرة في "الجهاد"، الأمر الذي خلف تداعيات على الأمن الوطني الأردني، ويُمكن تعداد ذلك الأثر على البلاد كما يلي:

1- زيادة الكلف المالية والأعباء الأمنية والاستخبارية واللوجستية، خاصة بعد الكشف عن مخابئ للأسلحة في عدة مواقع سرية من العاصمة عمّان عام 2014، حيث كان يُراد إرسالها إلى الضفة الغربية لتنفيذ هجمات ضد السلطات الإسرائيلية، والتي اعتقل خلالها عدد من المنتمين للإخوان المسلمين في الأردن منهم نشطاء نقابيين وغيرهم.

2- دفع تواجد عدد من قادة حماس في الأردن إلى توجيه أنظار واهتمام عدد من أجهزة المخابرات في العالم لا سيما الأمريكية والإسرائيلية، نحو الساحة المحلية.

3- خلقت العلاقة بين حماس والإخوان المسلمين حالة من الحساسية، وعدم الثقة على المستوى الرسمي، خاصة وأن منظمة التحرير الفلسطينية كانت ترى في حماس منافساً لها.    

إخوان الأردن والمؤثرات الخارجية        

عبر الجزء السابق، نجد أن الإخوان المسلمين في الأردن كانوا جزءً من تشكيل الخارطة السياسية في العالم العربي، وكان لهم أثراً واضحاً في العلاقات بين دوله من خلال النظرة الأحادية لسياساتها العابرة للحدود.

إلى جانب ذلك، كان للأحداث الإقليمية وبشكل خاص تلك المرتبطة بالجماعات الإسلامية أثراً في تحديد نهج ورؤية واستراتيجية إخوان الأردن، ويمكن تلمس هذا الأثر بالعودة إلى إرهاصات "العولمة الإسلامي" المتجلية بالثورة الإيرانية ووصول قائدها روح الله الخميني إلى السلطة عام 1979، الأمر الذي شكل حافزاً للجماعات الإسلامية لا سيما الإخوان المسلمين لتكرار تجربة الخميني.

ولم يكن موقف إخوان الأردن مختلفاً عن موقف التنظيم العالمي، والذي عبرت عنه قياداته مثل يوسف القرضاوي، الذي سبق له القول بأنه سيدافع عن إيران إذا اعتدى عليها أحد، لأنها دولة إسلامية، مع الإشارة إلى حجم التنسيق والعلاقات والمشتركات بين الجانبين.

ويُمكن تلخيص موقف إخوان الأردن من العلاقات مع إيران بعد الثورة الإسلامية في النقل عن قول حمزة منصور يرى فيه أن:

 "إيران بلد مسلم وجار تجمعنا به روابط دينية وتاريخية وجغرافية، وتالياً لا بد من تنظيم العلاقة بين إيران والدول العربية على قاعدة عدم التدخل في الشؤون الداخلية والتعاون المتكافئ مع المحيط العربي، وليس في استطاعة أحد أن يُقصي إيران عن موقعها الجغرافي، ولا سبيل سوى التفاهم على قاعدة الندية والاحترام المتبادل والانحياز لقضايا الأمة ومصالح الشعوب. وأنهم في الإخوان يدينون "الصراع المذهبي والطائفي والعرقي وهذه المكوّنات في الأمة جزء منها عبر قرون عدة، ونحتاج إلى تنظيم العلاقة بين هذه المكونات ومعركتنا مع الذين يحتلون أرضنا ويهددون وجودنا ويستهدفون عقيدتنا".

وانطلاقاً من هذه النقطة، يُمكن مقاربة العلاقات بين إخوان الأردن وحزب العدالة والتنمية في تركيا، الذي يُنظر له (عند الإخوان المسلمين بشكل عام) كنموذج إسلامي مُلهم، في بُعديه الديني والسياسي، فهو يقوم على الخطاب الإسلامي، الذي يصور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، كمدافع عن القضايا الإسلامية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وعلى مناكفة الغرب وإسرائيل وهذا ما تجلى في حادثة اشتباك سفينة "مافي مرمرة Mavi Marmara" مع إسرائيل في 31 مايو عام 2010.

على الرغم من أن الخطاب التركي هو في حقيقته قومي – محافظ، ويعتمد سياسات تتسم بالراجماتية، إلا أن تنظيم الإخوان في الأردن وبشكل عام يستقبلونه بالترحيب والبروباغندا في ميادين وساحات السياسة، ولذلك يُسارع الإخوان في الترحيب كلما حقق حزب العدالة والتنمية انتصارات انتخابية، وكذلك تفعل في المناسبات التركية الوطنية.

والغريب في الأمر أن كل هذا الاحتفال بأردوغان؛ يأتي رغم أن تجربة حزب العدالة والتنمية الذي انبثق عن "حزب الفضيلة"، ورفض رسميّا الإسلام السياسي، يواصل الصعود الى السلطة منذ العام 2002 بناءً على خطاب قومي – شعبوي – محافظ، ينادي بعودة تركيا إلى الإرث العثماني[4]. ورغم أن الحزب يواجه حالياً صعوبات انتخابية متعددة، دفعته للتعاون مع القوميين وتبني هوية سياسية محافظة، وأرجع سقف المطالبات الإسلامية إلى مجرد إجراء شكلية بعد أن كانت جذرية في نهجه، مما أفقد الحركة الإسلامية القدرة على صياغة مشروع إيديولوجي متكامل، لصالح المراوحة بين دفتي النظام العلماني بشكل تتفادى معه الصراع القوي مع العلمانية المتحكمة في دواليب الدولة.

ولا يقتصر مدى تأثر جماعة الإخوان المسلمين في الأردن على الجانب المفاهيمي والأيديولوجي، وإنما في الأدوار والجوانب العملياتية، وقد برز ذلك بشكل واضح إبان ما يعرف بـ"الربيع العربي" ووصول نظرائهم إلى السلطة في مصر عام 2012. حينذاك غيرت الجماعة في الأردن من وظائفهم المحلية وأدوارهم على الساحة السياسية، حيث أصبحت أكثر جرأة وصراحة في التعبير عن أهدافها، كمحاولة لمحاكاة ومجاراة الصعود السياسي للجماعة في مصر. ومن أمثلة ذلك، تعهد مراقب الجماعة السابق همام سعيد ‏في يناير 2013، بأن الأردن سيكون "دولة في الخلافة الإسلامية"، وحتى بعد سقوط التجربة في مصر، كان تفاعل إخوان الأردن ساعياً للتغطية على أسباب الفشل مع تضامنها بالتخطيط للمهرجانات والفعاليات الشعبية، ومنها مهرجان "لبيك يا أقصى"، الذي خُصص للتضامن مع الجماعة في مصر بعد عزل محمد مرسي، وفي تموز عام 2013 وصف رئيس حزب جبهة العمل الإسلامي حمزة منصور ما حدث في مصر بـ "الانقلاب".

وفي عام 2013 سُئل حمزة منصور في حوارٍ صحفي للأمين العام السابق لجبهة العمل الإسلامي بين عامي 2002 – 2006؛ هل لديكم أي علاقة مع حركة الإخوان المسلمين في سورية التي تعتبر من أبرز التيارات السياسية المعارضة للنظام السوري؟

in-2-(1).jpg-الإخوان-المسلمين-في-الأردن-والعلاقات-الخارجية:-التَأثُر.jpg

فأجاب منصور "ليست لنا علاقة تنظيمية مع أحد خارج الأردن وإنما العلاقة مع حركة «الإخوان» في سورية فكرية ووجدانية. ونحن ندعم كل الحركات الإسلامية وكل الحركات الساعية للتحرر الوطني".

مع ذلك كان لفشل الإخوان المسلمين في مصر تأثيراً على الجماعة في الأردن، فقد خسرت الأخيرة الأرضية الصلبة التي كانت تستند عليها، والبيئة الحاضنة لها، وقد عمقت من الانقسامات داخل الجماعة وزادت من خلافاتها مع الفروع في الخارج، وتحولت من أزمات مؤقتة إلى دائمة بعد أن أعلن إخوان الأردن فك الارتباط بالجماعة في مصر في 11 فبراير عام 2016.

ومما سبق؛ يمكن استنتاج مستوى التأثير الذي مارسته جماعة الإخوان المسلمين في الأردن تجاه نظرائها في مصر وسوريا ومع حركة حماس، والكيفية التي انعكست خلالها المعطيات الحزبية والأيديولوجية على توجهات الجماعة وسلوكها وأدوارها، مع تبيان المدى الذي أثرت فيه على الشؤون الداخلية والخارجية الرسمية للبلاد.

من جهة أخرى؛ تأثرت الجماعة نفسها في التغيرات الخارجية، منذ اندلاع "الثورة الإسلامية" في إيران، وصعود حزب العدالة والتنمية في تركيا، وصولاً إلى تسلم الجماعة زمام السلطة في بعض الدول العربية كما في الحالة المصرية (2012-2013)، وهي الأمثلة التي صبت في صالح أجندة الإخوان في الأردن وأدت إلى محاولاتها لتجاوز التوازنات المحلية في سعيها نحو محاكاة التجربة المصرية في الوصول إلى السلطة.

 

*تُعبر هذه الدراسة عن وجهة نظر كاتبها، ولا يتحمل مركز ستراتيجيكس أي مسؤولية ناتجة عن موقف أو رأي كاتبها بشأن القضايا الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخرى، ولا تعكس بالضرورة موقف و/أو وجهة نظر المركز.

د. سعود الَشَرفات

باحث متخصص في قضايا العولمة والإرهاب العالمي